فضائل الزبير بن العوام رضي الله عنه2
الكتاب صـــ149
نموذج لشجاعة الزبير رضي الله عنه
أن أصحاب الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للزبير يومَ
اليرموك (1) : ألا تشد فنشد معك ؟ فقال إني إن شددت كذبتم،
فقالوا : لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أُحُدٍ، ثم رجع مقبلا،
فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضربها يومَ بدر . قال عروة :
كنتُ أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير . قال عروة : وكان معه عبد الله بن
الزبير يومَئذ، وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرس، ووكل به رجلًا .
الراوي : عروة بن الزبير | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح
البخاري - الصفحة أو الرقم: 3975 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | انظر شرح الحديث رقم
1746
وفي رواية
كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف، إحداهن في عاتقه، قال إن
كنتُ لأدخل أصابعي فيها . قال ضرب ثنتين يومَ بدر، وواحدة يومَ اليرموك . قال عروة
وقال لي عبد الملك بن مروان، حين قتل عبد الله بن الزبير : يا عروة، هل تعرف سيف الزبير
؟ قُلْت : نعم، قال : فما فيه ؟ قُلْت : فيه فلة فلها يومَ بدر، قال : صدقت، بهن فلول
من قراع الكتائب . ثم رده على عروة . قال هشام فأقمناه بيننا ثلاثة آلاف، وأخذه بعضنا،
ولوددت أني كنتُ أخذته . حدثنا فروة، عن علي، عن هشام، عن أبيه قال : كان سيف الزبير
بن العوام محلى بفضة، قال هشام : وكان سيف عروة محلى بفضة .
الراوي : عروة بن الزبير | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح
البخاري أو الرقم: 3973 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
شرح الحديث
كان الزُّبيرُ بنُ العوامِ رضِي اللهُ عنه مِن فُرسانِ الإسلامِ،
ومِن أَشجعِ الرِّجالِ، وكان في جسَدِه رضِي اللهُ عنه -كما يُخْبِرُ عُروةُ ابنُه-
ثلاثُ ضَرباتٍ بِالسَّيفِ، إحدى هذه الضَّرباتِ في كتفِه، وكانتْ هذه الضَّربةُ كبيرةً
لدرجةِ أنَّه كان يُدخلُ أصابعَه فيها، وقد ضُرِبَ اثنتينِ مِن هذه الضَّرباتِ في غزوةِ
بدرٍ، وضُربَ الضَّربة َالثَّالثةَ في غَزوةِ اليرموكِ، وكان هذا السَّيفُ مع عبدِ
اللهِ بنِ الزُّبيرِ رضِي اللهُ عنهما، فلمَّا قُتلَ وذَهبتْ أغراضُه إلى عبدِ الملكِ
بنِ مَرْوانَ ومنها هذا السَّيفُ، سألَ عبدُ الملكِ عُروةَ بنَ الزُّبيرِ هل يعرفُ
سيفَ والدِه؟ فقال له: نعم، فيه فَلَّةٌ فُلَّها يومَ بدرٍ، أي: فيه قِطعةٌ كُسرتْ
منه يومَ بدرٍ، فقال له عبدُ الملكِ: صَدقْتَ،
بِهنَّ فلولٌ مِن قِراعِ الكتائبِ
أي: بهنَّ كُسورٌ مِن مُبارزةِ وقتالِ الكتائبِ، وهو جزءٌ
مِن بيتِ شِعرٍ وتمامُه:
ولا عَيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم ** بِهنَّ فلولٌ مِن قراعِ
الكتائبِ
ثُمَّ أعطاهُ السَّيفَ، ثُمَّ انتقلَ إلى أبنائِه، يقول هشامُ
بنُ عروةَ: فأقمناه بينَنا ثلاثةَ آلافٍ، أي: قدَّرنا ثمنَه بثلاثةِ آلافٍ، فأخَذَه
بعضُ أبنائِه، وكان هشامٌ يَودُّ أنْ يكونَ هو الَّذي أخذَه، وكان سَيفُ الزُّبيرِ
مُحلًّى بِالفضَّةِ، وكذلك سيفُ عُروةَ بنِ الزُّبيرِ.
كان وقافا عند أوامر رسول الله
))خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة ، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك ) . فقال
الأنصاري : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ، فتلون وجهه ثم قال : ( اسق يا زبير ،
ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك ) . واستوعى النبي صلى
الله عليه وسلم حقه في صريح الحكم ، حين أحفظه الأنصاري ، كان أشار عليهما بأمر
لهما فيه سعة . قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك : ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) شرح الآية هنــــــــا
الراوي: عروة بن الزبير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح
البخاري - الصفحة أو الرقم: 4585خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
الزبير بن العوام متوكلا على الله
لما وقف الزبير يوم
الجمل ، دعاني فقمت إلى جنبه ، فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم
، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما ، وإن من أكبر همي لديني ، أفترى يبقي
ديننا من مالنا شيئا ؟ فقال : يا بني بع مالنا فاقض ديني ، وأوصى بالثلث ، وثلثه
لبنيه - يعني بني عبد الله بن الزبير - يقول : ثلث الثلث ، فإن فضل من مالنا فضل
بعد قضاء الدين فثلثه لولدك ، قال هشام : وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني
الزبير ، خبيب وعباد ، وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات . قال عبد الله : فجعل
يوصيني بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي . قال : فوالله
ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟ قال : الله ، قال : فوالله ما وقعت
في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه ، فقتل الزبير رضي
الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين ، منها الغابة وإحدى عشرة دارا
بالمدينة ، ودارين بالبصرة ، ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر ، قال : إنما كان دينه
الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه ، فيقول الزبير : لا ، ولكنه
سلف ، فإني أخشى عليه الضيعة ، وما ولي إمارة قط ، ولا جباية خراج ، ولا شيئا إلا
أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي
الله عنهم ، قال عبد الله بن الزبير : فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف
ومائتي ألف ، قال : فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال : يا ابن أخي ، كم
على أخي من الدين ؟ فكتمه ، فقال : مائة ألف ، فقال حكيم : والله ما أرى أموالكم
تسع لهذه ، فقال له عبد الله : أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف ؟ قال : ما
أراكم تطيقون هذا ، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي ، قال : وكان الزبير اشترى
الغابة بسبعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ، ثم قام فقال :
من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة ، فأتاه عبد الله بن جعفر ، وكان له على
الزبير أربعمائة ألف ، فقال لعبد الله : إن شئتم تركتها لكم ، قال عبد الله : لا ،
قال : فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم ، فقال عبد الله : لا ، قال : قال :
فاقطعوا لي قطعة ، فقال عبد الله : لك من ها هنا إلى ها هنا ، قال : فباع منها فقضى
دينه فأوفاه ، وبقي منها أربعة أسهم ونصف ، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان
والمنذر بن الزبير وابن زمعة ، فقال له معاوية : كم قومت الغابة ؟ قال : كل سهم
مائة ألف ، فكم بقي ، قال : أربعة أسهم ونصف ، قال المنذر بن الزبير : قد أخذت
سهما بمائة ألف ، قال عمرو بن عثمان : قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال ابن زمعة :
قد أخذت سهما بمائة ألف ، فقال معاوية : كم بقي ؟ فقال : سهم ونصف ، قال : أخذته
بخمسين ومائة ألف ، قال : وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف ،
فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه ، قال بنو الزبير : اقسم بيننا ميراثنا ، قال :
لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين : ألا من كان له على الزبير
دين فليأتنا فلنقضه ، قال : فجعل كل سنة ينادي بالموسم ، فلما مضى أربع سنين قسم
بينهم ، قال : فكان للزبير أربع نسوة ، ورفع الثلث ، فأصاب كل امرأة ألف ألف
ومائتا ألف ، فجميع ماله خمسون ألف ألف ، ومائتا ألف .
الراوي:
عبدالله بن الزبير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:
3129 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
===========================================================
(1) -اليرموك معركة وقعت بين المسلمين والروم، وسميت بهذا الاسم
نسبة إلى الوادي الذي وقعت فيه، وهو وادي (اليرموك) سنة وقوعها: 13 هجرية (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم،.: بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه أما فيما يتعلق بالجيش الإسلامي، فقد وقع اختيار
أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خالد بن الوليد رضي الله عنه لقيادة
جيوش المسلمين، وقال الصديق رضي الله عنه مقالته المشهورة: "والله لأشغلن النصارى
عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد" (البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي، ج9،
[ص:547]).
أصدر أبو بكر رضي الله عنه أوامره لخالد بن
الوليد رضي الله عنه بأن يترك العراق، ويتوجه على وجه السرعة إلى بلاد الشام ويستلم
القيادة من أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه،
موقف
الزبير بن العوام رضي الله عنه في معركة اليرموك:
كان موقف الزبير بن العوام رضي الله عنه موقفاً مشهوداً،
ومثالاً رائعاً في الصدق في العمل والإخلاص والتفاني من أجل القضية والاستبسال في القتال،
فهو علامة فارقة للرجولة، والشجاعة الفائقة، ورباطة الجأش، وصدق العزيمة والزهد في
الدنيا، فلقد شدَّ الزبير بن العوام رضي الله عنه على جحافل الجيش البيزنطي لوحده فاخترق
مقدمته حتى طلع من الجهة الأخرى، ثم عاد من مؤخرة الجيش حتى طلع من مقدمته، فعن هشام
بن عروة، عن أبيه، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا للزبير يوم اليرموك:
ألا تشد فنشد معك؟ فقال: "إني إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل، فحمل عليهم حتى
شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلاً، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على
عاتقه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة (ولده): "كنت أدخل أصابعي في تلك
الضربات ألعب وأنا صغير" وقال: "وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن
عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلاً" (صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب قتل
أبي جهل) .
وهكذا فإن القادة العظام يعلّمون أبناءهم اقتحام الصعاب،
والرجولة والعيش في ظروف شديدة وقاسية، ويمنحونهم الفرصة للمرور في ظروف الأزمات والتجارب
المريرة، والخوض في عباب المعضلات، ومواجهة الشدائد والوقوف بوجهها، ويكونون لهم القدوة
الحسنة، وهكذا فعل الزبير بن العوام رضي الله عنه حين اصطحب ولده الصغير عبد الله معه
في معركة ليست كباقي المعارك، إنها معركة فاصلة وهائلة، ولكن الكبار يُنَشِّئون كباراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق