مقدمة في فضائل الصحابة 3
موقف المسلم مما حدث بين الصحابة
رضوان الله عليهم أجمعين:-
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ " ويمسكون عما شجر من
الصحابة ، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ، ومنها ما قد
زيد فيه ، ونقص ، وغُيِّرَ عن وجهه ، والصحيح منه هم فيه معذورون ؛ إما مجتهدون
مصيبون ، وإما مجتهدون مخطئون ... ، ولهم من السوابق ، والفضائل ما يوجب مغفرة ما
يصدر عنهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من
الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم ... ثم القَدْر الذي يُنكر من فعل
بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ، ومحاسنهم من الإيمان بالله ، ورسوله ،
والجهاد في سبيله ، والهجرة ، والنصرة ، والعلم النافع ، والعمل الصالح ، ومن نظر
في سيرة القوم بعلم وبصيرة ، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم
خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة
التي هي خير الأمم ، وأكرمها على الله " ا.هـ العقيدة
الواسطية / 43 .(1)
إضافة * شرح كلام شيخ الإسلام بن تيمية
للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي شرح
العقيدة الواسطية .
يقول المؤلف -رحمه الله-( "العقيدة
الواسطية" التي ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية في عقيدة أهل السنة والجماعة) يبيّن معتقد أهل السُنَّة والجماعة قال: وكذلك
نؤمن بالإمساك عما شجر بين الصحابة، يعني: من عقيدة أهل السُنَّة والجماعة
الإمساك، ومعنى الإمساك: يعني السكوت عما شجر بين الصحابة، يعني: عما حصل بينهم من
الخلاف، والخلافات التي حصلت بين الصحابة والنزاع والقتال يجب الإمساك عنها، يعني:
السكوت عنه ولا يجوز إفشاؤه.
ثم أيضًا المنقول عن الصحابة من الخلافات المؤلف -رحمه الله- يقول: نعلم
أن بعض المنقول في ذلك كذب، وهم كانوا مجتهدين، يعني: في الشيء الذي ثبت.
وقد بيّن المؤلف -رحمه الله- في رسالة (العقيدة الواسطية) وبين قال:
المنقول عن الصحابة الأخبار التي نقلت عن الصحابة أقسام أنواع: منها ما هو كذب لا
أساس له من الصحة، ومنها ما هو له أصلٌ ولكن زِيد فيه، أو نقص منه، أو غير عن
وجهه، ومنها ما هو ثابت وصحيح.
والثابت الصحيح هو بين أمرين: إما مجتهد مصيبٌ له أجران، أجر الإصابة
وأجر الاجتهاد، وإما مجتهد مخطئ فله أجر الاجتهاد،
وخطأه مغفور، ثم الذنوب المحققة الثابتة التي ثبتت لهم ثم أيضًا قبل ذلك
نعتقد أن الصحابة أن كل واحد من الصحابة ليس معصوم
من كبائر الذنوب ولا من صغائرها، فما هم أنبياء، ليسوا أنبياء.. العصمة
لمن؟ للأنبياء، فالنبي معصوم عن الشرك ومعصومٌ عن الكبيرة الكبائر ومعصومٌ فيما
يبلغ عن الله.
أما الصحابة الواحد من الصحابة ما هو معصوم قد تقع منه الذنوب لكن إذا
وقع منه الذنب فهناك أنواع من أسباب المغفرة أولاً ما يحصل من الصحابة من الاجتهاد
إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر وإن وقع في ذنبٍ محقق، فأسباب المغفرة كثيرة
قد يتوب: إما أن يغفرها الله له بتوبة فيتوب الله عليه، أو يغفرها له بإقامة الحد
في الدنيا مثلاً، أو بالحسنات الماحية أو مصائب مكفرة، أو تغفر له بشفاعة نبينا
محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين هم أولى الناس بشفاعته؛ فإنهم خير قرون هذه
الأمة.
ولهذا قال المؤلف -رحمه الله- وهم كانوا مجتهدين، يعني: فيما شجر بينهم
إما مصيبين لهم أجران أو مثابين على عملهم الصالح، مغفورٌ لهم خطأهم وما كان لهم
من السيئات، وقد سبق لهم من الله الحسنى، يعني: الجنة، وعدهم الله بالجنة، فإن
الله يغفرها لهم: يعني الذنوب المحققة، إما بتوبة أو بحسناتٍ ماحية أو مصائب مكفرة
أو غير ذلك مثل شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم خير قرون هذه الأمة كما
قال -صلى الله عليه وسلم- خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، وهذه
خير أمة أخرجت للناس .
( ففي الحديث خيرُ النَّاسِ قَرني ، ثمَّ الَّذين يَلونَهم
، ثمَّ الَّذين يَلونَهم ، ثمَّ يجيءُ أقوامٌ : تَسبقُ شهادةُ أحدِهم يمينَهُ
ويمينُه شهادتَه)الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث:البخاري -
المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2652خلاصة حكم المحدث: [صحيح] .
وبهذا يتبين أن معتقد أهل السُنَّة والجماعة الإمساك والسكوت عن الخلافات
التي حصلت بين الصحابة فلا تتحدث ولا تنشرها، وبهذا ينبغي أن لا يستمع للأشرطة
التي سجلها بعض الناس في الصحابة والخلاف الذي بينهم؛ لأن هذا طريقة أهل البدع،
بعض الناس يسجل أشرطة يذكر النزاع والخلاف والحروب التي حصلت بين الصحابة وينشرها
ويتكلم بكلام سيئ نشر مساوئ الصحابة فلا ينبغي استماعها، بل ينبغي البعد عنها
والتحذير منها؛ لأنها مخالفة لمعتقد أهل السُنَّة والجماعة.
ا.هـــ (2)
وفي الختام لا نقول إلا كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ
جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً
لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) اللهم ارض عن أصحاب نبيك
أجمعين واحشرنا وإياهم في زمرة سيد المرسلين والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
انخرام
قرن الصحابة رضوان الله عليهم:-
فقد جاء في الحديث :-
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال :- صلَّى بنا رسولُ
اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ ، صلاةَ العشاءِ ، في آخرِ حياتِه . فلما
سلَّم قام فقال " أرأيتَكم ليلتَكم هذه ؟ فإنَّ على رأسِ مائةِ سنةٍ منها
لا يبقى ممن هو على ظهرِ الأرضِ أحَدٌ " . قال
ابنُ عمرَ : فوهَل الناسُ في مقالة ِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تلك ، فيما
يتحدَّثون من هذه الأحاديثِ ، عن مائةِ سنةٍ . وإنما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ : لا يبقى ممن هو اليومَ على ظهرِ الأرضِ أحَدٌ . يريد بذلك أن ينخرِمَ ذلك
القَرنُ .
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2537 | خلاصة حكم المحدث : صحيح .
معنى الحديث واضح وظاهر وأيده الواقع ، فهو صلى الله عليه وسلم يُخبر أن الناس
الموجودين في ذلك العصر لن يعيش أحد منهم أكثر من مائة سنة ، وهذا ما حصل فعلا ، فآخر
الصحابة موتا كانت وفاته سنة عشر ومائة أي بعد مائة عام من وفاة الرسول عليه الصلاة
والسلام وهو أبو الطفيل بن واثلة .
الشيخ سعد الحميد .
والحديث قد رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عَبْد اللَّهِ
بْن عُمَرَ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ
فِي
آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ : ( أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ
هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ
الأَرْضِ أَحَدٌ ) رواه البخاري
وفيما يلي طائفة من شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله لهذا الحديث
قَوْله : ( صَلَّى لَنَا ) أَيْ إِمَامًا ,
قَوْله : ( فِي آخِر حَيَاته ) جَاءَ مُقَيَّدًا فِي رِوَايَة جَابِر أَنَّ
ذَلِكَ كَانَ قَبْل مَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرٍ . قَوْله :
( أَرَأَيْتَكُمْ ) الْمَعْنَى أَعَلِمْتُمْ أَوْ أَبْصَرْتُمْ لَيْلَتكُمْ ,
قَوْله : ( فَإِنَّ رَأْس ) أَيْ عِنْد اِنْتِهَاء مِائةِ سَنَة .
قَوْله : ( لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْر الأَرْض ) أَيْ الآن مَوْجُودًا
أَحَد إِذْ ذَاكَ ,
قَالَ اِبْن بَطَّال : إِنَّمَا أَرَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّة تَخْتَرِم الْجِيل الَّذِي هُمْ فِيهِ , فَوَعَظَهُمْ
بِقِصَرِ أَعْمَارهمْ , وَأَعْلَمهُمْ أَنَّ أَعْمَارهمْ لَيْسَتْ كَأَعْمَارِ مَنْ
تَقَدَّمَ مِنْ الأُمَم لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَة . وَقَالَ النَّوَوِيّ : الْمُرَاد
أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة عَلَى الأَرْض لا يَعِيش بَعْد هَذِهِ اللَّيْلَة
أَكْثَر مِنْ مِائَة سَنَة سَوَاء قَلَّ عُمْره قَبْل ذَلِكَ أَمْ لا , وَلَيْسَ فِيهِ
نَفْي حَيَاة أَحَد يُولَد بَعْد تِلْكَ اللَّيْلَة مِائَة سَنَة . وَاَللَّه أَعْلَم
. انتهى
وهذا الحديث من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنّه أخبر بأمر مستقبلي
ووقع كما أخبر وقد استدلّ به العلماء الثقات في الردّ على بعض الصوفية الذين يقولون
بأنّ الخضر عليه السلام لا يزال حيا إلى الآن .(3)
المصادر
(1) موضوع فضائل الصحابة رضي الله عنهم للدكتور نايف بن أحمد الحمد
(2) شرح العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
(3) الإسلام
سؤال وجواب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق