السبت، 22 أكتوبر 2016

عمر رضي الله عنه حائل دون الفتن بإذن الله 5



عمر رضي الله عنه حائل دون الفتن بإذن الله 5



عمر حائل دون الفتن بإذن الله:- الكتاب صــ83

كنا جلوسًا عند عمرَ رضي الله عنه، فقال : أيُّكم يحفظ قولَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الفتنةِ ؟ قلتُ : أنا، كما قاله . قال : إنك عليه - أو عليها - لجريءٌ، قلتُ : فتنةُ الرجلِ في أهلهِ ومالهِ وولدهِ وجارهِ، تكفِّرُها الصلاةُ والصومُ والصدقةُ والأمرُ والنهيُ، قال : ليس هذا أريد، ولكنِ الفتنةُ التي تموجُ كما يموجُ البحرُ، قال : ليس عليك منها بأسٌ يا أميرَ المؤمنين، إنَّ بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال : أيُكسرُ أم يُفتحُ ؟ قال : يُكسر، قال : إذًا لا يُغلق أبدًا، قلنا : أكان عمرُ يعلم البابَ ؟ قال : نعم، كما أن دون الغدِ الليلةَ، إني حدثتُه بحديثٍ ليس بالأغاليطِ . فهبْنا أن نسأل حذيفةَ، فأمرنا مسروقًا فسأله، فقال : البابُ عمرُ .
الراوي : جرير بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 525 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث 

يَحكي حُذَيفةُ رضي الله عنه أنَّ عُمرَ رضي الله عنه في عهدِ خِلافتِه سأَل أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مجلسِه آنذاك: أيُّكم يحفَظُ قولَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الفتنةِ؟ فظَنَّ حُذيفةُ رضي الله عنه أنَّ عمرَ رضي الله عنه يسألُ عن الفتنةِ الخاصَّة، فأجابه حُذَيفة رضي الله عنه أنَّه يعرِفُ كلامَه صلَّى الله عليه وسلَّم في الفِتنةِ حرفيًّا مثلَ ما قاله تمامًا، فهي: فتنةُ الرَّجلِ في أهلِه وماله وولَده، وتُكفِّرُها الصَّلاُة والصَّومُ والصَّدقةُ والأمرُ بالمعروف والنَّهيُ عن المنكَر، أي: إنَّ هذه الفِتنَ الخاصَّةَ الَّتي تُصيبُ المسلمَ بسبب حبِّه لنفسِه وولَده ومالِه، تكفِّرُها الطَّاعاتُ والحسنات، ولكنَّ عمرَ رضي الله عنه ما كان يريدُ هذه الفتنَ الخاصَّة، بل الفتنةَ الَّتي تمُوجُ كما يموجُ البحرُ، أي: الفتنةَ العامَّةَ الَّتي تُصيبُ المسلمين عامَّةً، فطَمْأنَه حُذيفةُ رضي الله عنه بأنَّه لو كان سؤالُه عن الفتنةِ العامَّةِ الَّتي تصيبُ المسلِمين جميعًا بالشُّرورِ والبلايا، وتُوقِعُهم في الحروبِ وسَفْكِ الدِّماءِ فيما بينهم، فإنَّ المسلِمينَ اليومَ في مأمنٍ منها، وإنَّ بينه وبين هذه الفتنةِ بابًا مُغلَقًا قويًّا، ولكنَّ هذا البابَ سيُكسَرُ ويزولُ بالعنفِ والشِّدةِ والدَّمِ، وهنا علِم عمرُ رضي الله عنه أنَّ هذا البابَ سيبقى مفتوحًا للدِّماء، فلا تنتهي الحروبُ بين المسلِمينَ، وكان هذا البابُ الَّذي يقصِدُه حُذيفةُ رضي الله عنه هو عُمَرَ رضي الله عنه، فالحائلُ بين الإسلامِ وبين الفتنةِ وجودُه رضي الله عنه.
في الحديثِ: أنَّ الطَّاعاتِ كفَّارةٌ للخطيئاتِ.
وفيه: أنَّ الفتنةَ نوعانِ، خاصَّةٌ وعامَّةٌ.
وفيه: أنَّ وجودَ عمرَ رضي الله عنه كان بابًا مُغلَقًا في وجهِ الفِتَن.
وفيه: أنَّه قد يكونُ عند الصَّغيرِ مِن العِلمِ ما ليس عند المُعلِّم المُبرِّز.
وفيه: أنَّ العالِمَ قد يرمُزُ رمزًا ليفهَمَ المرموزُ له دون غيره؛ لأنَّه ليس كلُّ العلمِ تجبُ إباحتُه إلى مَن ليس متفهِّمًا له، ولا عالِمًا بمعناه .

 * عمر وقاف عند كتاب الله 

قدِم عُيَينَةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيفَةَ ، فنزَل على ابنِ أخيه الحرِّ بنِ قيسٍ ، وكان منَ النفَرِ الذين يُدنيهم عُمَرُ ، وكان القراءُ أصحابَ مجالسِ عُمَرَ ومشاورتِه ، كُهولًا كانوا أو شَبابًا ، فقال عُيَينَةُ لابنِ أخيه : يا ابنَ أخي ، لك وجهٌ عِندَ هذا الأميرِ ، فاستَأذِنْ لي عليه ، قال : سأستَأذِنُ لك عليه ، قال ابنُ عباسٍ : فاستَأذَن الحرُّ لعُيَينَةَ ، فأذِن له عُمَرُ ، فلما دخَل عليه قال : هي يا ابنَ الخطَّابِ ، فواللهِ ما تُعطينا الجَزْلَ ولا تَحكُمُ بيننا بالعَدلِ . فغضِب عُمَرُ حتى هَمَّ به ، فقال له الحرُّ : يا أميرَ المؤمنينَ ، إنَّ اللهَ تعالى قال لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . وإنَّ هذا منَ الجاهِلينَ . واللهِ ما جاوَزها عُمَرُ حين تَلاها عليه ، وكان وَقَّافًا عِندَ كتابِ اللهِ .
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4642خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

شرح الحديث

صحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرَ النَّاسِ فَهْمًا لِكتابِ اللهِ تعالى، وعملًا به ووُقوفًا عند حدودِه، وكان الفاروقُ عُمرُ رضِي اللهُ عنه مِن أكثرِهم وقوفًا عنْدَ حُدودِ اللهِ تعالى، ومِن صُورِ ذلك ما في هذا الحديثِ حيثُ قدِمَ عُيينةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذيفةَ ونزَلَ في بيتٍ لابنِ أخيه الحُرِّ بنِ قيسٍ، وكان الحُرُّ بنُ قيسٍ مِنَ القُرَّاءِ الَّذين يَحفظونَه ويَفهمونَه، وكان عُمرُ رضِي اللهُ عنه يُقرِّبُه في مَجالسِه ويأخذُ مَشورتَه هو ومَن مِثلُه مِنَ القُرَّاءِ كُهولًا كانوا أو شبابًا، والكَهلُ هو مَن بدَأَ يعلُوه الشَّيبُ وهو بعدَ سِنِّ الثَّلاثينَ، فطَلبَ عُيَينةُ مِن الحُرِّ أنْ يَستأذنَ له؛ لِيدخُلَ على عُمرَ رضِي اللهُ عنه لِمَا له مِنَ الوجاهةِ عنده، ففعَلَ الحُرُّ واستأذَنَ له لِيدخلَ عليه، فلمَّا دخَلَ عليه عُيينةُ قال لِعمرَ رضِي اللهُ عنه: هِيْ يا ابنَ الخطَّابِ! و(هِيْ): كلمةٌ تُقالُ لِلتَّهديدِ، فَواللهِ ما تُعطينا الجَزْلَ ولا تَحكمُ بينَنا بِالعدلِ، يعني لا تُعطينا العطاءَ الكثيرَ ولا تَعدِلُ بيننا، فغضِبَ عُمرُ رضِي اللهُ عنه حتَّى همَّ به، أي: أرادَ أنْ يُعاقِبَه، فقال له الحُرُّ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ الله تعالى قال لِنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وإنَّ هذا مِنَ الجاهلِينَ، فَامتثلَ عُمرُ رضِي اللهُ عنه لِكتابِ اللهِ تعالى، ولم يُجاوزْ حُدودَه، ولم يُعاقبِ الرَّجلَ، وكان رضِي اللهُ عنه وقَّافًا عند كتابِ اللهِ وحدودِه.
في الحديث: أنَّ اللهَ يرفعُ بهذا القرآنِ أقوامًا ويضعُ به آخرين.
وفيه: أنَّ التقديمَ يكونُ لِأهلِ الفضْلِ والعِلْمِ والفَهْمِ والفِقْهِ والقرآِنِ.


* شهادة أبو موسى الأشعري لعمر رضي الله عنهم 

قال لي عبدُ اللهِ بنُ عمرَ : هل تدري ما قال أبي لأبيك ؟ قال : قلتُ : لا، قال : فإنَّ أبي قال لأبيك : يا أبا موسى، هل يسُرك إسلامُنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهجرتُنا معه، وجهادُنا معه، وعملُنا كله معه، بردٌ لنا، وأن كل عملٍ عملناه
بعده نجونا منه كفافًا رأسًا برأسٍ ؟ فقال أبي : لا واللهِ، قد جاهدْنا بعد رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وصلَّينا، وصُمنا، وعملنا خيرًا كثيرًا، وأسلم على أيدينا بشرٌ كثيرٌ، وإنا لنرجو ذلك . فقال أبي : لكني أنا، والذي نفسُ عمرَ بيدِه، لوددتُ أنَّ ذلك بردٌ لنا، وأنَّ كلَّ شيءٍ عملناه بعد نجوِنا منه كفافًا رأسًا برأسٍ . فقلت : إنَّ أباكَ واللهِ خيرٌ من أبي .
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3915 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].


شرح الحديث 

يَحكي أبو بُردةَ أنَّ عبدَ الله بنَ عُمَرَ رضي الله عنهم قال له: هل تَدري ما قال أبي عُمَرُ رضي الله عنه (لأبيك أبي موسى رضي الله عنه؟ فأجابه: لا أدري، فأخبره: إنَّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى، هل يسُرُّك إسلامُنا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهجرتُنا معه وجهادُنا معه وعمَلُنا كلُّه معه بَرَدَ، ثبَت وسلِم، لنا، وأنَّ كلَّ عملٍ عمِلناه بعده نجَوْنا منه كَفافًا رأسًا برأسٍ، قاله عمرُ رضي الله عنه هضمًا لنفسِه، أو لِمَا رأى أنَّ الإنسانَ لا يَخلو عن تقصيرٍ في كلِّ خيرٍ يعمَلُه، فأجابه أبو موسى رضي الله عنه: لا واللهِ، قد جاهَدْنا بعد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصلَّيْنا وصُمْنا، وعمِلْنا خيرًا كثيرًا، وأسلَم على أيدينا بشَرٌ كثيرٌ، وإنَّا لنرجو ذلك، فقال عمرُ رضي الله عنه: لكنِّي أنا والَّذي نفسُ عُمرَ بيده، لوددتُ أنَّ ذلك بَرَدَ لنا (1)، وأنَّ كلَّ شيءٍ عمِلناه بعدُ نجَوْنا منه كَفافًا، رأسًا برأسٍ، فقال أبو بُردةَ لابن عمرَ: إنَّ أباك عمرَ رضي الله عنه واللهِ خيرٌ مِن أبي أبي موسى رضي الله عنه.
في الحديثِ: أنَّ المؤمنَ كلَّما قلَّتْ ذُنوبُه ازداد خوفُه، وكلَّما غزُر عقلُه استبَدَّ قلقُه.
(1)       لَزِمَ وَثَبَتَ (قاموس المعاني )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق