الأحد، 16 أكتوبر 2016

ورع أبي بكر الصديق رضي الله عنه 9





  متفرقات في مناقب الصديق رضي الله عنه9     

ورع أبي بكر الصديق رضي الله عنه

عن حديثِ عائشةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، حين قال لها أهلُ الإفكِ ما قالوا فبرَّأها الله مما قالوا، كلٌّ حدثني طائفةً منَ الحديثِ، فأنزل اللهُ : { إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ } . العشرَ الآياتِ كلَّها في براءتي، فقال أبو بكرٍ الصديقُ، وكان يُنفق على مِسطحٍ لقرابتهِ منهُ : واللهِ لا أنفقُ على مسطحٍ شيئًا أبدًا، بعد الذي قال لعائشةَ . فأنزل اللهُ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولي القُرْبَى } . الآية . قال أبو بكرٍ : بلى واللهِ إني لأحبُّ أن يغفرَ اللهُ لي، فرجع إلى مسطحٍ النفقةَ التي كان ينفق عليهِ، وقال : والله لا أنزعها عنهُ أبدًا .

الراوي : عروة بن الزبير و سعيد بن المسيب و علقمة بن وقاص و عبيدالله بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6679 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | انظر شرح الحديث رقم 7615

قال البخاري في صحيحه
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ.

الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: البخاري – المصدر: صحيحالبخاري – الصفحة أو الرقم: 3842 – خلاصة حكم المحدث: [صحيح] .

شرح الحديث
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، وَأَخُوهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ ، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْقَرِينِ عَنِ الْقَرِينِ وَرِوَايَةُ الْأَكْبَرِ سِنًّا عَنِ الْأَصْغَرِ مِنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الشُّعَبِ " مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُقَدَّمِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ بِهَذَا السَّنَدِ ، لَكِنْ قَالَ فِيهِ : عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بَدَلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، فَلَعَلَّ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ .

قَوْلُهُ : ( كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ ، وَوَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ مَعَ النُّعَيْمَانِ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ الْأَحْرَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ قِصَّةٌ ذَكَرَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " أَنَّهُمْ نَزَلُوا بِمَاءٍ ، فَجَعَلَ النُّعَيْمَانُ يَقُولُ لَهُمْ : يَكُونُ كَذَا ، فَيَأْتُونَهُ بِالطَّعَامِ فَيُرْسِلُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ : أَرَانِي آكُلَ كِهَانَةَ النُّعَيْمَانِ مُنْذُ الْيَوْمِ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي [ ص: 190 ] حَلْقِهِ فَاْسَتَقَاءَهُ " وَفِي " الْوَرَعِ لِأَحْمَدَ " عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ " لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا اسْتَقَاءَ مِنْ طَعَامٍ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ فَأَكَلَ ثُمَّ قِيلَ لَهُ : جَاءَ بِهِ ابْنُ النُّعَيْمَانِ ، قَالَ : فَأَطْعَمْتُمُونِي كِهَانَةَ ابْنِ النُّعَيْمَانِ . ثُمَّ اسْتَقَاءَ " وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ ، وَلِأَبِي بَكْرٍ قِصَّةٌ أُخْرَى فِي نَحْوِ هَذَا أَخْرَجَهَا يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : " كُنَّا نَنْزِلُ رِفَاقًا ، فَنَزَلْتُ فِي رُفْقَةٍ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى أَهْلِ أَبْيَاتٍ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ حُبْلَى وَمَعَنَا رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهَا : أُبَشِّرُكِ أَنْ تَلِدِي ذَكَرًا . قَالَتْ : نَعَمْ . فَسَجَعَ لَهَا أَسْجَاعًا . فَأَعْطَتْهُ شَاةً فَذَبَحَهَا وَجَلَسْنَا نَأْكُلُ ، فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ بِالْقِصَّةِ قَامَ فَتَقَايَأَ كُلَّ شَيْءٍ أَكَلَهُ " .

قَوْلُهُ : ( يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ) أَيْ يَأْتِيهِ بِمَا يَكْسِبُهُ ، وَالْخَرَاجُ مَا يُقَرِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ مِنْ مَالٍ يُحْضِرُهُ لَهُ مِنْ كَسْبِهِ .

قَوْلُهُ : ( يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ " كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ ، فَكَانَ يَجِيءُ بِكَسْبِهِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ ، فَأَتَاهُ لَيْلَةً بِكَسْبِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ ، ثُمَّ سَأَلَهُ " .

قَوْلُهُ : ( كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ) لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ .

قَوْلُهُ : ( فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ) أَيْ عِوَضَ تَكَهُّنِي لَهُ ، قَالَ ابْنُ التِّينِ : إِنَّمَا اسْتَقَاءَ أَبُو بَكْرٍ تَنَزُّهًا ; لِأَنَّ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ وُضِعَ وَلَوْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ لَغَرِمَ مِثْلَ مَا أَكَلَ أَوْ قِيمَتَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ الْقَيْءُ ، كَذَا قَالَ ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا قَاءَ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ ، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى كِهَانَتِهِ ، وَالْكَاهِنُ مَنْ يُخْبِرُ بِمَا سَيَكُونُ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ، وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ كَثُرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خُصُوصًا قَبْلَ ظُهُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر
قال البخاري في صحيحه
 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ ، فَقَالَ : مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي ، وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ " , قَالَ : النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح
البخاري - الصفحة أو الرقم: 3663 - خلاصة حكم المحدث:صحيح

الشرح من
فتح الباري شرح صحيح البخاري
قَوْلُهُ : ( بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ ) الْحَدِيثُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّاعِي ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ عِنْدَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ وَقَعَ كَلَامُ الذِّئْبِ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ ، فَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الدَّلَائِلِ " مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أُنَيْسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : " كُنْتُ فِي غَنَمٍ لِي ، فَشَدَّ الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا ، فَصِحْتُ عَلَيْهِ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ يُخَاطِبُنِي وَقَالَ : مَنْ لَهَا يَوْمَ تَشْتَغِلُ عَنْهَا ؟ تَمْنَعُنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ تَعَالَى . فَصَفَّقْتُ بِيَدِي وَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا ، فَقَالَ : أَعْجَبُ مِنْ هَذَا ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ هَذِهِ النَّخَلَاتِ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ ، قَالَ فَأَتَى أُهْبَانُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ "(1) فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُهْبَانُ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ حَاضِرَيْنِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ غَائِبَيْنِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَفِيهِ : " قَالَ أَبُو سَلَمَةَ : وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ " أَيْ عِنْدَ حِكَايَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ غَلَبَةِ صِدْقِ إِيمَانِهِمَا وَقُوَّةِ يَقِينِهِمَا ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِدُخُولِهِ فِي مَنَاقِبِهِمَا .

قَوْلُهُ : ( يَوْمَ السَّبُعِ ) قَالَ عِيَاضٌ : يَجُوزُ ضَمُّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونُهَا ، إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالضَّمِّ . وَقَالَ الْحَرْبِيُّ : هُوَ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : هُوَ بِالْإِسْكَانِ ، وَالضَّمُّ تَصْحِيفٌ . كَذَا قَالَ ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : هُوَ بِالسُّكُونِ وَالْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بِالضَّمِّ وَعَلَى هَذَا - أَيِ الضَّمُّ - فَالْمَعْنَى إِذَا أَخَذَهَا السَّبُعُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهَا مِنْهُ فَلَا يَرْعَاهَا حِينَئِذٍ غَيْرِي ، أَيْ إِنَّكَ تَهْرُبُ مِنْهُ وَأَكُونُ أَنَا قَرِيبًا مِنْهُ أَرْعَى مَا يَفْضُلُ لِي مِنْهَا . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : مَعْنَاهُ مَنْ لَهَا يَوْمَ يَطْرُقُهَا السَّبُعُ - أَيِ الْأَسَدُ - فَتَفِرُّ أَنْتَ مِنْهُ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَاجَتَهُ وَأَتَخَلَّفُ أَنَا لَا رَاعِيَ لَهَا حِينَئِذٍ غَيْرِي ، وَقِيلَ : إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْفِتَنِ فَتَصِيرُ الْغَنَمُ هَمَلًا فَتَنْهَبُهَا السِّبَاعُ فَيَصِيرُ الذِّئْبُ كَالرَّاعِي لَهَا لِانْفِرَادِهِ بِهَا .

وَأَمَّا بِالسُّكُونِ فَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ : هُوَ اسْمُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْحَشْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ فِي " تَهْذِيبِ اللُّغَةِ " عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا بِأَنَّ الذِّئْبَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا ، وَقِيلَ : هُوَ اسْمُ يَوْمِ عِيدٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَيَغْفُلُ الرَّاعِي عَنْ غَنَمِهِ فَيَتَمَكَّنُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : " لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي " مُبَالَغَةً فِي تَمَكُّنِهِ مِنْهَا ، وَهَذَا نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ [ ص: 34 ] عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، وَقِيلَ : هُوَ مِنْ سَبَعْتُ الرَّجُلَ إِذَا ذَعَرْتُهُ ، أَيْ مَنْ لَهَا يَوْمَ الْفَزَعِ ؟ أَوْ مِنْ أَسْبَعْتُهُ : إِذَا أَهْمَلْتُهُ ، أَيْ مَنْ لَهَا يَوْمَ الْإِهْمَالِ . قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : السَّبْعُ الْهَمَلُ ، وَأَسْبَعَ الرَّجُلُ أَغْنَامَهُ إِذَا تَرَكَهَا تَصْنَعُ مَا تَشَاءُ ، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ النَّوَوِيُّ . وَقِيلَ : يَوْمَ الْأَكْلِ ، يُقَالُ : سَبَعَ الذِّئْبُ الشَّاةَ إِذَا أَكَلَهَا . وَحَكَى صَاحِبُ " الْمَطَالِعِ " أَنَّهُ رُوِيَ بِسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَفَسَّرَهُ بِيَوْمِ الضَّيَاعِ ، يُقَالُ أَسْيَعْتُ وَأَضْيَعْتُ بِمَعْنًى ، وَهَذَا نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِيَوْمِ السَّبْعِ يَوْمُ الشِّدَّةِ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : أَجْرَأُ مِنْ سَبْعٍ ، يُرِيدُ أَنَّهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الشِّدَادِ الَّتِي يَشْتَدُّ فِيهَا الْخَطْبُ عَلَى الْمُفْتِي ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِهِ فِي الْقِصَّتَيْنِ " فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِمَا آمَنَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّعَجُّبُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، وَتَفَاوُتُ النَّاسِ فِي الْمَعَارِفِ .

عودة للكتاب صــ57
(1) جاء ذئب إلى راعي غنم ، فأخذ منها شاة ، فطلبه الراعي حتى انتزعها منه ، قال : فصعد الذئب على تل فأقعى واستثفر ، وقال : عمدت إلى رزق رزقنيه الله أخذته ، ثم انتزعته مني ؟ ! ، فقال الرجل تالله إن رأيت كاليوم ! ذئب يتكلم ! فقال : الذئب : أعجب من هذا : رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى ، وما هو كائن بعدكم ، قال : وكان الرجل يهوديا ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره وأسلم ، فصدقه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها أمارت بين يدي الساعة ، فقد أوشك الرجل أن يخرج ، فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده .

الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج مشكاة المصابيح
الصفحة أو الرقم: 5870 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

يتبع إن شاء الله 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق