الجمعة، 14 أكتوبر 2016

تـابع فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبشـــارات له 4 .




  
  تـابع فضائل أبي بكر الصديق رضي الله 
عنه وبشـــارات له 4 .

رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الهجرة .

لم أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إلا وهما يَدِينانِ الدِّينَ، ولم يَمُرَّ علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم طَرَفَيِ النهارِ، بُكْرَةً وعَشِيَّةً، فلما ابتُلِيَ المسلمون خرج أبو بكرٍ مُهاجرًا نحوَ أرضِ الحَبَشةِ، حتى إذا بَرْكَ الغِمَادُ (1)لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَّةِ، وهو سَيِّدُ القارَّةِ، فقال : أين تريدُ يا أبا بكرٍ ؟ فقال أبو بكرٍ : أَخْرَجَني قومي، فأريدُ أن أَسِيحَ في الأرضِ وأعبدَ ربي . قال ابنُ الدَّغِنَّةِ : فإن مِثْلَكَ يا أبا بكرٍ لا يَخرُجُ ولا يُخْرَجُ، إنك تَكْسِبُ المعدومَ، وتَصِلُ الرحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ *، وتَقْرِي الضيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحَقِّ، فأنَا لك جارٌ **، ارجِع واعبدْ ربَّك ببلدِكَ . فرجع وارتحل معه ابنُ الدَّغِنَّةِ، فطاف ابنُ الدَّغِنَّةِ عَشِيَّةً في أَشرافِ قريشٍ، فقال لهم : إن أبا بكرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُه ولا يُخْرَجُ، أَتُخرِجون رجلًا يَكْسِبُ المعدومَ، ويَصِلُ الرحِمَ، ويَحْمِلُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضيفَ، ويُعينُ على نوائبِ الحقِّ . فلم تكذبْ قريشٌ بِجِوارِ ابنِ الدَّغِنَّةِ، وقالوا لابنِ الدَّغِنَّةِ : مُرْ أبا بكرٍ فليعبدْ ربَّه في دارِه، فلْيُصَلِّ فيها ولْيَقْرَأْ ما شاء، ولا يُؤْذِينا بذلك ولا يَسْتَعْلِن به، فإنا نَخْشَى أن يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءَنا . فقال ذلك ابنُ الدَّغِنَّةِ لأبي بكرٍ، فلبِث بذلك يعبدُ ربَّه في دارِه، ولا يستعلنُ بصلاتِه ولا يقرأُ في غيرِ دارِه، ثم بدا لأبي بكرٍ، فابتَنَى مسجدًا بفناءِ دارِه، وكان يصلي فيه،ويقرأُ القرآنَ، فيَنْقَذِفُ عليه نساءُ المشركين وأبناؤُهم، وهم يَعْجَبونَ منه وينظرون إليه، وكان أبو بكرٍ رجلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عينيه إذا قرأ القرآنَ، وأفزع ذلك أشرافَ قريشٍ من المشركينَ، فأرسلوا إلى ابنِ الدَّغِنَّةِ فقَدِم عليهم، فقالوا : إنا كنا أَجَرْنا أبا بكرٍ بجِوارِك، على أن يعبدَ ربَّه في دارِه، فقد جاوز ذلك، فابتَنَى مسجدًا بفِناءِ دارِه، فأَعْلَنَ بالصلاةِ والقراءةِ فيه، وإنا قد خَشِينا أن يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءَنا، فانهَهُ، فإن أَحَبَّ أن يقتصرَ على أن يعبدَ ربَّه في دارِه فعل، وإن أَبَى إلا أن يُعْلِنَ بذلك، فَسَلْهُ أن يَرُدَّ إليك ذِمَّتَك، فإنا قد كَرِهنا أن نُخْفِرَكَ، ولَسْنا مُقِرِّينَ لأبي بكرٍ الاستِعلانَ . قالت عائشةُ : فأتى ابنُ الدَّغِنَّةِ إلى أبي بكرٍ فقال : قد عَلِمْتَ الذي عاقَدْتُ لك عليه، فإما أن تقتصرَ على ذلك، وإما أن تَرْجِعَ إلَيَّ ذِمَّتِي، فإني لا أحبُّ أن تسمعَ العربُ أني أُخْفِرْتُ في رجلٍ عَقَدْتُ له . فقال أبو بكرٍ : فإني أَرُدُّ إليك جِوارَكَ، وأَرْضَى بجِوارِ اللهِ عز وجل، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَوْمَئِذٍ بمكةَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم للمسلمينَ : ( إني أُرِيتُ دارَ هجرتِكم، ذاتَ نخلٍ بين لابَتَيْنِ  ***) . وهما الحَرَّتانِ، فهاجر مَن هاجر قِبَلَ المدينةِ، ورجع عامَّةُ مَن كان هاجر بأرضِ الحبشةِ إلى المدينةِ، وتجهز أبو بكرٍ قِبَلَ المدينةِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( على رِسْلِكَ، فإني أرجو أن يُؤْذَنَ لي ) . فقال أبو بكرٍ : وهل تَرْجُو ذلك بأبي أنت ؟ قال : ( نعم ) . فحبس أبو بكرٍ نفسَه على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِيَصْحَبَهُ، وعَلَف راحلتينِ كانتا عنده وَرَقَ السَّمُرِ، وهو الخَبْطُ، (2) أربعةَ أشهرٍ . قال ابنُ شهابٍ : قال عروةُ : قالت عائشةُ : فبينما نحن يومًا جلوسٌ في بيتِ أبي بكرٍ في نَحْرِ الظهيرةِ، قال قائلٌ لأبي بكرٍ : هذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مُتَقَنِّعًا، في ساعةٍ لم يكنْ يأتينا فيها، فقال أبو بكرٍ : فِداءٌ له أبي

وأمي، واللهِ ما جاء به في هذه الساعةِ إلا أمرٌ . قالت : فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فاستأذن، فأَذِنَ له فدخل، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأبي بكرٍ : ( أَخْرِجْ مَن عندَك ) . فقال أبو بكرٍ : إنما هم أهلُك، بأبي أنت يا رسولَ اللهِ، قال : (فإني قد أُذِنَ لي في الخروجِ ) . فقال أبو بكرٍ : الصحابةُ بأبي أنت يا رسولَ اللهِ ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( نعم ) . قال أبو بكرٍ : فَخُذْ - بأبي أنت يا رسولَ اللهِ - إحدى راحِلَتَيَّ هاتين، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( بالثَّمَنِ ) . قالت عائشةُ : فجَهَّزْناهما أَحَثَّ *الجِهازِ، وصَنَعْنا لهما سُفْرَةً في جِرابٍ، فقطعتْ أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ قِطعةً من نِطاقِها، فربَطَتْ به على فَمِ الجِرابِ، فبذلك سُمِّيَتْ ذاتُ النِّطاقَيْنِ، قالت ثم لَحِقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأبو بكرٍ بغارٍ في جَبَلِ ثَوْرٍ، فكَمَنا فيه ثلاثَ ليالٍ، يبيتُ عندَهما عبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ، وهو غلامٌ شابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ (فَهِمٌ حَسَنُ التَّلَقُّن لما يسمعه المعجم الوسيط ) ، فيُدْلِجُ مِن عندِهما بسَحَرٍ، فيُصبِحُ مع قريشٍ بمكةَ كبائتٍ، فلا يسمعُ أمرًا يُكتادانِ به إلا وَعاهُ، حتى يأتيَهما بخَبَرِ ذلك حين يختَلِطُ الظلامُ، ويَرْعَى عليهما عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مولى أبي بكرٍ مِنحَةً من غَنَمٍ، فيُرِيحُها عليهما حين تذهبُ ساعةٌ من العِشاءِ، فيَبِيتانِ في رِسْلٍ **، وهو لبنُ مِنحتِهِما ورَضِيفِهِما، حتى يَنعِقَ بها عامرُ بنُ فهيرةَ بغَلَسٍ ***، يفعلُ ذلك في كلِّ ليلةٍ من تلك الليالي الثلاثِ، واستأجر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأبو بكرٍ رجلًا من بني الدَّيْلِ، وهو من بني عبدِ بنِ عَدِيٍّ، هاديًا خِرِّيتًا، والخِرِّيتُ الماهرُ بالهدايةِ، قد غَمَس حِلْفًا في آلِ العاصِ بنِ وائلٍ السَّهْمِيِّ، وهو على دينِ كفارِ قريشٍ، فأمِنَّاهُ فدفعا إليه راحِلَتيهما، وواعداه غارَ ثَوْرٍ بعد ثلاثِ ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صُبحَ ثلاثٍ، وانطلق معهما عامرُ بنُ فهيرةَ، والدليلُ، فأخذ بهم طريقَ السواحلِ (3).


* بشارات لأبي بكرالصديق رضي الله عنه بالجنــــــة
---------------

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : مَن أَنفَقَ زوجَينِ في سبيلِ اللهِ، نودِيَ من أبوابِ الجنةِ : يا عبدَ اللهِ هذا خيرٌ، فمَن كان من أهلِ الصلاةِ دُعِيَ من بابِ الصلاةِ، ومَن كان من أهلِ الجهادِ دُعِيَ من بابِ الجهادِ، ومَن كان من أهلِ الصيامِ دُعِيَ من بابِ الرَّيَّانِ، ومَن كان من أهلِ الصدقةِ دُعِيَ من بابِ الصدقةِ . فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسولَ اللهِ، ما على مَن دُعِيَ من تلك الأبوابِ من ضرورةٍ، فهل يُدْعَى أحد من تلك الأبوابِ كلِّها ؟ . قال : نعم، وأرجو أن تكونَ منهم .(4)

من أصبح منكم اليومَ صائمًا ؟ قال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه : أنا . قال : فمن تبع منكم اليومَ جنازةً ؟ قال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه : أنا . قال فمَن أطعم منكم اليومَ مسكينًا ؟ قال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه . أنا . قال : فمن عاد منكم اليومَ مريضًا . قال أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه : أنا . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : ما اجتمَعْنَ في امرئٍ ، إلا دخل الجنَّةَ .(5)

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال أنه توضأ في بيته ثم خرج، فقُلْت : لألزمن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولأكونن معه يومَي هذا، قال : فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا : خرج ووجه ها هنا، فخرجت على إثره، أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، فجلست عِندَ الباب، وبابها من جريد، حتى قضى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاجته فتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه، ثم انصرفت فجلست عِندَ الباب، فقُلْت : لأكونن بواب رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليومَ، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقُلْت : من هذا ؟ فقال : أبو بكر، فقُلْت : على رسلك، ثم ذهبت، فقُلْت : يا رسولَ اللهِ، هذا أبو بكر يستأذن ؟ فقال : ( ائذن له وبشره بالجنة ) . فأقبلت حتى قُلْت لأبي بكر : ادخل، ورسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معه في القف، ودلى رجلٌيه في البئر كما صنع النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقُلْت : إن يرد الله بفلان خيرا - يريد أخاه - يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقُلْت : من هذا ؟ فقال : عُمَر بن الخطابِ، فقُلْت على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسلمت عليه، فقُلْت : هذا عُمَر بن الخطابِ يستأذن ؟ فقال : ( ائذن له وبشره بالجنة ) . فجئت فقُلْت : ادخل، وبشرك رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجنة، فدخل فجلس مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القف عن يساره، ودلى رجلٌيه في البئر، ثم رجعت فجلست، فقُلْت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب، فقُلْت : من هذا ؟ فقال : عثمان بن عفان، فقُلْت على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبرته، فقال : ( ائذن له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه ) . فجئته فقُلْت له : ادخل، وبشرك رسول الله صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم بالجنة، على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القف قد ملئ، فجلس وجاهه من الشق الآخر . قال شريك : قال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم .(6)


*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~

(1) (بَرْكَ الغِمَادُ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ بِخَمْسِ لَيَالٍ بِنَاحِيَةِ السَّاحِلِ ، وَقِيلَ : بَلْدَتَانِ ، هَذَا قَوْلُ الْحَازِمِيِّ ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : هُوَ مَوْضِعٌ بِأَقَاصِي هَجَرَ ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : بَرْكُ الْغِمَادِ وَسَعَفَاتُ هَجَرَ كِنَايَةٌ ، يُقَالُ فِيمَا تَبَاعَدَ .).شرح النووي على صحيح مسلم . http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=5421&idto=5422&bk_no=53&ID=838

* (مَن يكون عبئًا على غيره ، مَنْ يعتمد على غيره في معيشته  ) قاموس المعاني .
** جارٌ --- المُجيرُ (قاموس المعاني ) .
*** اللاَّبَة : الحَرَّةُ من الأرض ، وهي الأرضُ اللاَّبَة ذاتُ الحجارة السُّود.(قاموس المعاني ) .

(2) (الخَبَطُ – خَبَطُ : الخَبَطُ : ما سقط من ورق الشجر بالخبْط والنَّفْض .وفي الحديث : حديث شريف خرج فى سَريَّة إلى أرض جُهينة ، فأصَابهم جوعٌ فأكلوا الخَبَطَ .المعجم: المعجم الوسيط).
 * أَحَثَّ أعجلَهُ إعجالاً متّصلاً (قاموس المعاني ).
** القطيع من الإِبل والغنم وغيرها .
*** الغَلَسُ : ظُلْمة آخر الليل إِذا اختلطت بضوء الصباح ، وفي الحديث : حديث شريف أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي الصُّبحَ بغَلَسٍ

(3)الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: البخاري - المصدر صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم 3905- خلاصة حكم المحدث: صحيح.

(4) الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر:صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1897 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

(5)الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم
- الصفحة أو الرقم: 1028 - خلاصة حكم المحدث: صحيح.

(6)الراوي: أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث: البخاري - المصدر:صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3674-خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

يتبـــــــع إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق